13 Aug
13Aug

أتعرف ماذا أفعل الآن ؟؟!! انتظرك ... انتظرك في وسط زحمة الأصوات التي يتردد صداها في داخلي كوقع الطبول في معركة .. أراقب المارين الواحدة تلو الآخر .. أتأمل الدخان الذي ينفثه هذا الرجل الغريب الجالس بجانبي ...صاحب الشعر الطويل ...ينفث الدخان بانتظام وأنا أتأمله بكل ما لي من تعب وسأم ...تلك الدوائر والتموجات التي تسترسل في الهواء ..تتموج كأنها تراقص نفسها أمامي ..تغريني أن التقطها وأتنفسها... أتعرف !! الجميع هنا يدخن عداي ..أنا فقط أتأمل دخان نفوسهم وأمارس متعتهم في حرق العالم في سيجارة ... تلك التي أمامي تدخن وتقول لتعيد قولها مرارا " أنا لا افرض نفسي ..أنا موجودة "..تقولها بلغة فرنسية رشيقة وتعيدها بلهجة محلية على مسامع رجلها الدي لا أظنه يجهل اللسان الفرنسي ... تقولها في كل مرة وتسحب من سيجارتها نفسا طويلا وتنفث الدخان في وجهه لتأتيني التموجات تغريني بأن التقطها كما تغريه بأن يلتقط امرأته في تلك اللحظة المخصوصة ... أدير وجهي عنها لأراقب تلك الفتاة التي تجلس بجانبي والتي ترتعد غضبا ...وتتحدث لغة إنجليزية عنيفة ..تدخن لتبدأ في السباب والشتم بكل اللغات ...لغتها الإنجليزية الرنانة والحلقية لم تمنحها المساحة لإيصال احساسها كما ينبغي فترتد عنها إلى مفرداتنا البذيئة العامية وكأنها أحست بغربة الكلمات في ما اختارت ... ثم تعود لتتكلم الإنجليزية وقد شعرت براحة مؤقتة لتعود إلى التدخين ..هي لا تكف عن الشتم والتدخين ... أتعلم !! الكل هنا يدخن ما عداي !!! الكل هنا يتكلم اللغات الأجنبية بطلاقة ..يتقنونها صرفا ومعجما ونطقا ..لكنهم سرعان ما يعودون إلى العامية عندما يحسون بالإغتراب اللغوي لحظة تأكيد الذات أو التعبير عن مشاعر حقيقية وعميقة ... اللغات إغتراب ... أعود إلى النظر إلى طاولتي وقد أحسست بإغترابي المكاني في كل الطاولات التي تأملتها وأنا انتظر صديقي صاحب الشعر الطويل ليعاود التدخين ..اسلوبه فريد في نفث دخان سيجارته ...أعود بنظراتي في انتظاره لأرى كتابا بعنوان "جماليات المكان " فأسأل : ما هي جمالية المكان ؟؟؟ كيف تكون ؟؟؟ استغرب العنوان بقدر غربتي في هذا المكان .. مكان غريب عني بجدرانه وأبوابه وحتى سقفه الذي يذكرني بسنوات خلت وإستغلال عرق المساكين ..نعم هو مكان بجدران ملونة ومزينة تعكس ذوقا رفيعا ..ومرايا كثيرة وكأن الجميع يستمتع برؤية وجهه ..لكنه بسقف يشبه أسقف المصانع ..فيه كم كبير من الحديد والزنك وأشياء كبيرة متدلية تشعرك بدنو الإنهيار .. سمي هذا المكان "نجمة الشمال " أجول ببصري ابحث عن النجوم في هذا السقف فلا أجد ولا حتى مصباحا .. هي مصابيح صغيرة متدلية قريبة من الأرض فاستنكر : هل تتدلى النجوم وتقترب من الأرض ؟؟ هي حتى لا تخضع لمبدأ الجاذبية ..كيف يكون هذا المكان ليلا ؟؟ ولجهلي بالإتجاهات أسأل هل هي تقع في الشمال حقا ؟ فأتأكد حينها أني دوما أسير على غير هدى . ها هو عاد يدخن وها أني عدت استرق النظر إلى دخانه .." لا ترمقني شزرا سيدي .أنا لا اتجسس على حائطك الفايسبوكي .. أنا لا اهتم بغير دخان سيجارتك لأسرح في ذلك الغائب ...هو الأرق الذي دفعني إلى تأمل كل الطاولات والرسو عند دخان سيجارتك ..لم يشدني إليك لا مظهرك ولا شعرك الطويل ولا حتى حائطك الفايسبوكي ... فقط دخان سيجارتك المغري والموغل في نظام الفوضوية .." لا أعرف حتى لماذا اكتب هذا الهذيان ..ولماذا أجلس في هذا المكان ذو السقف المعدني ..أتساءل وأنا أحاول أن أحس جمالية هذا المكان : هل تدخن ؟؟ لا يهمني فأنت لم تأت !! يتطفل على نظراتي الباهتة ذلك النادل اللعين الذي يرمقني حقدا في كل مرة أكون فيها في هذا المكان ليسألني " شبيك تخمم ؟؟ " ابتسم بصمت وأمنع نفسي من قول "أفكر في هذا المكان الغريب عني والذي تزيده أنت غربة بنظراتك الحاقدة التي تجعلني أتساءل هل يوجد بيننا ثأر قديم ؟؟" هذا المكان ذو السقف المعدني والذي يدخن فيه الجميع ما عداي ..الذي يتكلم فيه الجميع لغات أجنبية . ما عداي طبعا أنا صاحبة أوراق سنن التأليف في الأدب العربي القديم ....

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة