04 May
04May

 فُطًامٌ

أجلس بكل برود الملامح و بداخلي براكين " بومباي " وقد سبق و أن بصقت فيً حممها فتجسّدت أشكال الذكرى تماثيلَ صامدةً أمام الزّمن .

أجلس و أنا أكاد أختنق بوجعي .. هذا الوجع كان و لا يزال لقمة أكبر من فمي ..

يؤلمني ابتلاعه و يرهقني هضمه .

أتذكر- و أنا أجلس تجود الذاكرة بالكثير و المثير- تلك الصورة : صورتي و أنا صغيرة .. أجلس في " حجر" عمتي- بعد أن تم فطامي في انتظار القادم الجديد -وهي تمضغ الأكل و تطعمني إيّاه كما العصافير لصغارها .

نشأت على طعم ريقها فأحببتها رغما عن طاقة الكره التي كبرت معي فصارت بعمري و أعظم. 

كم كانت محبّةً و حانيةً ، ليت الحياة كانت بحنانها و مضغت الوجع بدلا منّي .

لكنها أصرًت ألا تفعل إلا ما تفعله بي الآن ... تغتصبني بين ذكرى و أخرى .. تحبًلني بالوجع لأجهض كل فترة حلما مني .. أتهاوى بعده كما الألعاب المحشوًة بالقطن حين تفقد شيئا منها بعد عبث أحدهم بما تحمل .

لا أتذكر إن كانت أمي وضعت" مرً صبر" على حلمتيها كي أنفرها ... ابتعدت عنها ككل المرات التي ابتعدت فيها عن الأشياء و أناس  أحببتهم. قسرا، أحمل في فمي طعم المرارة. حتى لو لم تفعل أمي فالحياة فطمتني بمرارة تفوق الوصف .

هي هكذا دائما .. هو هكذا دائما الفطام .. تختلف الأشكال لكن المغزى و النتيجة واحدة. هو الفقد نتيجته.

في الصغر فقدت _ قبل الأوان_ حلمة تلهيني عن جوعي و بكائي، رابط حميمي بيني و بين أصلي .. انفصلت أو تُركتُ لا يهمّ المصطلح .. المآل واحد و الإحساس كذلك ..  كان الفراق و لا شيء آخر فطمت عليه .. لم أشبع . لم أرتو بما يكفي أن يسدً جوعي و يروي عطشي الراهن.

فطمت قبل الأوان فشببت على النّقصان. ومن شبً على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه ، ومن مات على نقصان بعث عليه في كل الحيوات التي يمكن أن تتاح له في كل العوالم الممكنة و اللاممكنة . فعبثا أبحث عن الاكتمال كما بحثت عبثا عن نهد أمي ..

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة