01 Sep
01Sep

في جوف كل منا شغف و خلف كل شغف حكاية..وكل يغترف من هذه الدنيا بحجم شغفه. الواحدة صباحا،هجرت غرفتها تماما و وقفت أمام مرآة جدتها العتيقة. هش جدا عالمها انه يتقلص بآستمرار يكاد يخنقها . ذابلة هي كورقة أيلول المهشمة. أطالت النظر إلى المرآة فتراءى لها وجه لا تعرفه. هل هي هذه حقا أم هو طيف جدتها يظهر أمامها فجأة أم أنه الزمن قد دبر لها مكائده وآنقلب عليها؟ أو هو خيالها الذي أعياه طول الانتظار في هذا المنزل هو السبب؟ مررت أناملها على خصلات شعر ذي لون فضي كسير ثم مسحت على وجنة ذابلة ينافس شحوبها شحوب وردة تطل من بين تضاعيف ذاك الكتاب. هو كتاب يبدو مملا إذ هي لم تقو على آستكماله منذ مدة طويلة. يحاذيه فنجان من القهوة عملاق. لقد كان باردا..كأنفاسها. سقطت من مقلتها دمعة حرى علها تدفئ اوصالها المتجمدة. وضعت يدها على صدرها تتحسس مكان قلبها فلم تجد الروح هناك..و أجهشت "قلبي بارد،ماتت الروح..لقد فقدت الشغف! " وتذكرت إخفاقاتها الكبيرة و الصغيرة و تبدت أمام ناظريها تلك التفاصيل الصغيرة العزيزة ،بيتها وأمها و الأصيص الذي آنكسر على شرفتها يومها..أثر الفراشات اللاتي كن يحمن حول حديقتها و النجمات اللاتي كن يحرسن لياليها الطويلة . تذكرت الحب الأول و شعر ضفيرتها الذي قصته . الأغاني التي حفظتها و قطة الجيران الدميمة. الحي و المنعطفات و طلاء الجدران،نعلها والمسافات التي قطعتها دون كلل و الطريق البعيدة القريبة. انتابها دوار،طاف الفضاء من حولها وآربد قلبها فصرخت : "أين شغفي ؟لقد فقدت الشغف! قد يأتي و قد لا يأتي ..بالأمس كان شغفي يجدني و اليوم صار علي أن أجده .بالأمس كان ماردا خرافيا يلهمني و يقودني إلى مكامن الجمال و اليوم رحل عني فتركني هيكلا ذاويا في ركن هذه الحجرة الخرساء. لقد كانت لي نفسا تواقة والله كان يتجلى من خلال الشغف! كان علي أن أكون أكثر تماسكا و تمسكا به. بالأمس كانت لمسة من يد مجرد لمسة واحدة ..تهز كيانا برمته. كانت نظرة من العين تجعلني أسهر إلى مطلع الفجر .كانت آرتعاشة عذب الكلام على الشفتين تبكيني !كنت أجده في لوحات فان غوغ و في كلام المغمورين من الشعراء. أذكر أن موشحات فيروز و مونولوجات أم كلثوم كنت أسمعها ساعات طويلة و لا أنبس ببنت شفة وكانت عيناي تقولان الشيء الكثير..في تلك الأمسيات كانت للبساطة قيمة كبرى أجدها في وشوشة الريح للشجر وفي آنعكاس القمر على المكان الذي يطل عليه.هناك حيث المتعة كانت الحياة .الشغف حياة..وفقدانه بلاء. ها أنا ذي اليوم أرى المسافات قد تقلصت و أمسى الحب اتفاقا سريعا مباشرا . أضحى التلامس ممكنا والاندماج متاحا في كل وقت .لم يعد ثمة شيء غال أو عزيز قط. صار الشغف مسخا ما يكاد يتشكل حتى يذوب من جديد .صار "هامبورغر" نبتاعه في طريق العودة و نهضمه قبل أن نصل. صار أمرا هينا فمات..لأن الشغف لما يكون عسير المنال ينمو ويعيش. إن غيابه هو نفي خارج الروح. ولما وجف قلبها وآرتاعت قالت : "الشغف هو صلاة خوف و فقدانه هو الروع عينه " رفعت بصرها ولعنت تلك "الفيترينة الزجاجية" التي تقبع أمامها فهمت بكسرها ليتسنى لها الدخول فيها فتسأل عن أشياء تخصها. وفجأة وفي خضم هذا الضياع و التشظي ،تناهى إلى مسمعها صوت آت من زمن آفل "لا تصدق أن الإنسان ينمو..لا إنه يولد فجأة:كلمة ما في لحظة تشق صدره على نبض جديد،مشهد واحد يطوح به من سقف الطفولة إلى وعر الطريق " هي تعرف هذا الصوت جيدا و تدرك معنى هذا الكلام غير أنها تنسى صاحب المقولة كعادتها. لكنه جعلها تفيق على حقيقة أذهلتها فما آستطاعت لها وصفا .وما كانت هذهالحقيقة لتزداد رسوخا في قلبها إلا عندما رفع الخرس عن المرآة أمامها ونطقت : "لقد تداول على الوقوف أمامي من قبلك أشخاص كثر. لقد كانوا أجسادا لا أرواحا فنسيتهم المرايا لما رحلوا..إن زوبعة البوح التي جعلت روحك تتعرى أمامي وكم الهواجس التي تملكتك خلال هذه السويعات، أبانت جليا أن ما تبحثين عنه مخلوق فيك ساكن بين ضلوعك لما حالة وبه آستطعت أن تعي ذاتك . لقد نسيت أن "الشغف فطرة " وما يفطر علي المرء سرمدي لا يزول. ليس بإمكان أحد أن يسلبك إياه حتى الزمن !و الشغف لحظات ضعف و هواجس يا عزيزة و بوح وآنكسار أمام المرايا أيضا. فطوبى لك لقد خلقت من جديد أمامي. أنا التي شهدت منذ قليل على لحظات بعثك الجديد فآمضي بسلام نحو الشغف بالشغف و تذكري أن الشغف لا يموت أبدا و لكنه يختفي أحيانا فنظن زواله فما يلبث أن يعود إلينا مجددا " فجأة هب نسيم عنيد دفع نافذة الغرفة فتسلل منها نور لجيني ينبئ بآنبلاج الفجر و سلط على الركن الذي تقبع فيه فداعب صدرها ثم حلقها وكأنه يبعث الروح . فآرتسمت على الوجه الشاحب آبتسامة سرت في الفضاء مسرى الدم في عروقها وآنتصبت بثبات و قالت: "وعظتني نفسي فعلمتني و خلت أنها خانتني لكنها لم تتركني نفسي ..وقالت فيما قالته: أنت يا شغف آبن هذه الروح ابن بطنها و ترابها وبحرها و سمائها وشجرة اللوز و كل الصور تشهد..ألا فآصمد! نحن نكبر و تطول قاماتنا بالشغف .إن الشغف ولادة والذين يولدون بآستمرار لا يكبرون .أصل الخلق يتدفق من الشغف .الروح من أمر ربي توضع ولا تفسر و الشغف من أمر الروح يبعث ولا يحلل. إن صوت الشغف هو الدليل الأصدق هو العنفوان هو أن تسوح في بلاد الله بملكوتك أنت. نظرت إلى فنجان قهوتها و قالت الشغف هو أن تفتح عينيك ب"شفطة بن" هو الفجر لما يطل ملونا. هو العملاق المارد فأخرج العملاق من داخلك ولاتني! إنما الجمال شغف و الحزن شغف والفن شغف و الجسد شغف و الحب شغف والتاريخ شغف و الألم شغف و الايمان شغف. أما الآن فقد أصبح ابمعلوم مطية أىكبها نحو المجهول و العسير سلما أتسلق درجاته لأبلغ الخطر و الشغف هو أن تركب الخطر"

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة