28 Aug
28Aug

انتهى الدرس.. دق الجرس..
و انصرفنا..
كل إلى دنياه..كل إلى أحلامه..
وجدتني –حينها- في زحام الحياة أخشى المواجهة..
 من أين لي أن أبدأ ؟
ها أنا أترك المنطق جانبا و أبحث –كعادتي- عن مغامرة جديدة.. خلتني قادرة علىمراوغة القدر.. خلتني لا زلت بذات الإصرار و ذات التحدي ..
لم أشأ أن أبوح لنفسي بحيف الواقع و قسوته..
لا زلت تلك الساذجة التي تحيك قميصا من الأحلام تحتمي به من صقيع الخيبات والانكسارات..
لا زلت تلك الفتاة التي لم تجاوز عقدها الأول.. تلك التي تفرح –كما لم تفرح يوما-بأمطار الخريف الأولى لتتخيلها لوحة فنية تحركها قوى الطبيعة..
لا زلت نفس الفتاة التي تهرب من "عالمهم" إلى أكداس من الإسطواناتالموسيقية تستسلم –من خلالها- للحن يشحنها بالإصرار و العناد و الحلم..
لا زلت نفس الفتاة التي لا تحبذ "موسيقاهم" و لا تستسيغها..
لا زلت تلك التي تسير عكس تيار الواقع.. تلك التي تبكي من فرحها و تضحك من حزنها..تلك التي تهزأ بالقدر و تتنصل من قوالبه الجامدة..
تلك التي لطالما كانت علاقتها بالبكاء غامضة غسقية.. هي لا تبكي بقدر خيباتها بلبقدر صمتها حين لا تجد الكلمات المعبرة عما يخالج نفسها..
لا زلت الفتاة نفسها التي تحاكي تفاصيل خيالها أكثر من محاكاتها لواقعها.. تثيرهابسمة فرح متسللة من عجوز التسعين و هو يرهف السمع –كل صباح- لمقطوعات عبد الوهاب وكله أمل و حب..
 أمل لا تمحوه مساحات الشيب التي غزت رأسهأو تجاعيد الزمن التي حورت ملامحه..
 حب لا يجاوزه قطار الحياة و لا يخمدهمضمار العمر..

لا زلت أؤمن بالقدر.. بأشخاص تضعهم الصدفة المحضة فيطريقنا ليكتشفوا فينا ما جهلناه –أبدا- و ليشحنوا نفوسنا بالإصرار و العزم كما لميفعل غيرهم يوما..
لا زلت –حتما- نفس الفتاة التي تشعل فتيل الفرح من تفاصيلها الطفولية الصغيرة..
تلك التي تؤمن بلغة أخرى غير اللغة التي نتكلم.. لغة تصمت فيها الكلمات و تتعطلفيها الأصوات.. لغة مجالها إمعان النظر 
!

تلك الفتاة التي لا أذكر أنها استيقظت  يوما مجردة من الأمل.. لا أذكر أنها نسيت يوما الوقوفأمام نفسها تعاتبها و تنهرها ثم تضمها إليها لترتق جراحها و تشيع عطفها فيها..
و الان ها قد انتهى الدرس.. و دق جرس المغادرة..
و غابت تلك الفتاة الغامضة صاحبة الجدائل الطويلة و الأسئلة الكثيرة التيتجلس متأملة مكتب الأستاذ رغبة منها في احتلاله يوما.. لم تعد تتساءل عن سببمعاكسة الأقدار لنا إذا ما جرت رياحنا بما لا تشتهي سفننا.. لم تعد ترى هيبتك ووقارك أينما حلت.. لم تعد تراك كائنا خياليا لا وجود له على أرض الواقع.. 

انتهى الدرس و أدركت مع انتهائه أن الحياة ليست كماتصورها لنا مقاعد الدراسة الأولى..
بل أدركت أن الحياة حقا هي كل ما نفاجئ به بعد ذلك 
!

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة