13 Aug
13Aug

 

أدمنتك ... و أدمنتها  (1)

رغبة و رهبة ..... مختصر الحكاية إدمان ...

أطلت ذات ليلة من بين قمر و نجمتين ... فتاة في مقتبل العمر ... تنضح أنوثة ور قة وجمالا ... لم تناسبها السمرة ... و أعلى خديها ينطق حسن واضح .. و آثار القبل بادية لم يعف رسمها ... وشم البراءة أيضا مازال وضاحا ... شديدة العناية بألقها ...

باغتتني في شرفة منزلي ... جالستني و أطلقت العنان لصمتها ... لم أعرف أي ريح هبت فقادتتها إلى تلك الزاوية ...

أعددت لها قهوة بطعم الشهوة ... فلا أنكر أنها باغتتني كوحي مثير سبب لي رعشة خفيفة ... راودتني الوساوس حتى وجدتني أدس لها مخدرا في فنجانها ... ستكون غنيمة سلم ... أما أنا فاستعنت على نفسي بسيجارة قنب هندي ادخرتها مع أخواتها  لسيء الحوادث ...

تسمرت في مكانها .. ولم أرصد قلقا يغتال محياها ... أصرت على صمتها ... و أومأت لي بأن أمسك الورقة البيضاء .. ففهمت أنها تريدني أن أهتك عذرية الورقة ... كانت تلك الورقة العاشرة في مسار روايتي التي بدأت كتابتها ... بقيت تترشف قهوتها على مهل .. بينما كنت أنتظر على عجل أن تستسلم عروقها للمخدر و كان قلمي يتلهى بالورقة و يعبث ببياضها دون حاجته إلى مخدر فرأيته يدغدغها كالساخر مني ...

اللعنة على المخدر .. ليس الوقت المناسب ليخذلني ... لقد زاد في نشاطها و حيوتيها بدل أن يفقدها وعيها ... كنت أظنها ليلة الملائكة ...

لم تكن الرغبة لتحاصرني قبل مجيئها ...و  لم اكن شغوفا بالنساء ... و ما أدراني بأنها من النساء ؟؟  ...  أظنها تفطنت إلى لهفتي ... تقدمت مني ثم أخذت  الورقات و مزقتها  ... بقيت ذاهلا مشدوها ... أنظر إلى حبري ينساب من بين يديها ...  أمسكت بيدي و أظنها كانت تدعوني إلى الرقص ...  استسلمت لطلبها و  فوجئت بنفسي طيعا ذليلا  كقطرات الماء ...  انفصلت عني و  دلفت على الغرفة ... ظننت عدوى اللهفة اصابتها ... لكنها انهمكت في البحث عن شيء ما ...

عدت إلى مقعدي متهالكا  وتوسلت ود سيجارة ثانية ...  أما هي فخرجت تحمل حاسوبي ... و دون أن أرشدها إلى كلمة السر  فتحته ..  ر أيتها تفتح ملفا خاصا هو المفضل عندي و لم اتفطن إلا إلى كلمات عذبة تتراقص أمامنا كالشياطين ...

" هذا البحر لي هذا الهواء الرطب لي ... هذ الرصيف و ما عليه  ... "

غابت عني الكلمات لما عدنا إلى الرقص ... كانت لينة كفراشة و صلبة كتمثال ... أما أنا فمازلت لم أع ما يحدث .. كانت تسحبني سحبا ...  ظننت الأمر  من فنون الرقص لكنها فاجأتني بكلمات لم تخرج من حلقها ...

" أنت من تحتاج على المخدر ... "

ارتميت على السرير تعبا و زالت عني  رغبة وصالها ... وجدتني أغض البصر عندما انتصبت أمامي كالعارية .. لكن أمرا ما جعلني أتفحصها ...  لم أر امرأة مثلها من قبل ... على أنها شهية المعنى ... لم تكن غنية التفاصيل ..  أظن السيجارة لعبت برأسي .. فتوسلت ود ثالثة تزيل البلاء الذي حل بي ...  ارتمت هي أيضا على السرير و جاورتني .. لكن  من غريب ما يحصل في المضاجع أنني كنت لا أقربها.. فكنت كمن يمنع نفسه عنها أو منها ... 

 

انطفأ كل شيء تلك الليلة و ذوى ... و لعمري إن نيران فارس قد انطفأت بفعل ذاك الشؤم الذي حل ... كانت ممددة إلى جانبي كالطيف فقد نامت جذلة منتشية بخيبتي أما أنا فبت أراكم اللعنات و أرتبها على رفوف لا تروج فوقها بضاعة ... ما إن انبلج ضوء الصباح حتى برزت لي معالمها مستنفرة رغم نومها الهادئ ... اكتفيت بتقبيلها دون أن تحس بي ... فالشهوة إذا اضمحلت لا تبقى منها إلا قبلات باردة باهتة على ما فيها من لهيب البدايات ...
 عادت إلى مخيلتي أسئلة كثيرة ... و تبادرت إلى ذهني وساوس و شكوك ... امرأة مكتنزة بالغموض ... لم يسعفني قدري على فهم كل ما بدر منها ... رقص و نشوة غير مكتملة صمتها الذي أطبق على غرفة صاخبة... ..حتى الرواية أنهت ليلتها في سلة المهملات و بت أنا و القلم على قحط و جفاف عظيمين ...
 تركتها على حالها و انصرفت لا أعرف وجهة أو مقصدا ... مررت بأول محل اعترضني ... اقنيت صحيفة و علبة سجائر و اتجهت إلى المقهى ... جلست كعادتي في ركن قصي لأنعم ببعض الهدوء و السكينة ... نسيت المرأة تماما و انغمست في شبكة الكلمات المتقاطعة ثم قرأت بعض الأخبار المعتادة ... ترشفتني القهوة حتى ذبلت و أعلنت موعد انصرافي ... مررت بالنادل لدفع الحساب ففوجئت به يحبرني أن فتاة بهية الطلعة قد دفعت الحساب و تركت لي ورقة و باقة ورود ...
 خرجت من المقهى و الحيرة تصفعني حينا و تلطمني حينا ... فلم أستفق ... و ظننت أني أحتاج إغفاءة ... لكن الأسئلة كانت تقفز قفزا مزعجا ... أتكون هي ؟؟ أي امرأة تحدث عنها النادل ... أتكون فتاة أرادتني مؤنسا لوحشة ليلها ؟؟ رميت الباقة في الطريق مستثيرا غضب المارة ... فإذا بطفل كالمتسول يلحقني و يقول بصوت خافت : يا عم , سآخذ الباقة و أبيعها لأقتات بثمنها في زمن شح فيه من يهدون الورود ... و لكن عطر هذه الورود سيرافقك أينما حللت يا عم ... " لما أنهى كلامه ناولته قطعة نقدية سرعان ما رماها و انصرف ... نسيت أمر الورقة التي تركتها الفتاة بعض الوقت ... ثم أخرجتها من جيبي و قرأت ما فيها ... " سأكون كما تريد ... عند عودتك أحضر فقط زجاجة نبيذ "
 ...
 عدت إلى البيت متسارعا بعد أن مررت ببائع الخمور ... و بدأت أستعد لقضاء سهرة ماجنة و اتبرير خيبتي ...
 ما إن دخلت البيت وجدت الفتاة على حالها مستلقية على السرير كالزمن ... فأدركت أن المخدر قد نفذ إلى عروقها متأخرا ... و شكوت تعاستي و كدت أنسى سيدة المقهى ... بدا كل شيء في مخيلتي غامضا كالحقيقة ....
 لكني استعجلت العودة إلى المقهى علني أفهم من النادل أمرا .... دخلت المقهى و اتجهت إلى النادل ... فأشار بأن اتجه إلى ركنك المعتاد ... فرأيت فتاة تجلس في مكاني المعهود ... تقدمت منها و دون إذن جلست قبالتها ... داهمني سؤالها :
 _ أين زجاجة النبيذ ؟
 ما وجدت جوابا أو حيلة .. فصمتت قليلا و :
 _ ماذا تعنين بالباقة ؟
 _ بقي عطرها ... لننصرف ...
 و انصرفنا و في قلبي شغف لمعرفة ما تتابع من حوادث ... فقد استباح الغموض كل طريق أسلكها ... اصطفت الهواجس أمامي و أضحيت كالتائه ... انتقلنا إلى بيتها و قد تملكني خوف لم أعهده و اندثرت أي رغبة في لقاء أنثى .. لكن السيدة عالجتني و سقمي بكل ما فيها من فتنة .. قضيت معها ليلتين متتاليتين ذهب فيهما الجهد و العناء ... كانت سيدة ذات رحيق و بريق ... فيحاء متدلية كعناقيد السماء .. تناثرنا معا كأوراق الخريف بعد ليلة ثالثة ... فبلغتني و بلغتها ... و جاور عمقي عمقها و لم ننفصل إلا بعد أن أهلكتني أو كادت تفعل ... أما هي فأصابها مني نفور تلك الليلة فما تمكنت منها إلا عنوة ... و خرجت من عندها و قد تركتها كالمغتصبة ...
 في طريقي إلى البيت كنت أجمع ما تلاشى من نثار جسد محترق لكنني تذكرت سيدة الشرفة فعدت متثاقل الخطى ... لعل الهلاك يختار مودتي في بيتي ...
 .......................................   و يتواصل الإدمان


 حمدان فاضل ( أبو هديل)

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة